الذي لا يقال عن اضطراب ثنائي القطب
أنا مريضة عقلية على شكل كاتبة... اسمي أماني وانا مصابة باضطراب ثنائي القطب الصنف الاول..
المرض وراثي في عائلتي وأصبت به منذ سنوات المراهقة.. عمري حاليا 31 عاما.. مرت السنوات بسرعة وبألم.. ولم يختفي المرض لا من عقلي ولا من قلبي..
من الشائع أن المريض العقلي شخص منفلت التوازن، لا يمكنه الحديث برزانة.. حسنا هذه أنا حقا في نوباتي المجنونة... لكن... أبدو كشخص عاقل نسبيا عندما آخذ العلاج..
هل سمعتم يوما عن اضطراب ثنائي القطب؟
يقال أنه يحب عقول الأذكياء لذلك يتوجه إليها ليأكلها.. لا أدري إن كان هذا صحيحا، أم مجرد عزاء لي.. لأشعر أنني مميزة.. وتخف عني مشاعر الوصمة الاجتماعية...
أولا: تعريف مرض ثنائي القطب
هو مرض ناتج عن اختلالات كيمائية وهرمونية ويصنف كمرض عقلي بما أن هذه الاختلالات متواجدة في المخ، يسبب المرض إضطرابات مزاجية حادة مع غياب التوازن النفسي، فإما أن يكون المريض في منتهى السعادة رفقة ذهان وجنون عظمة وتسمى هذه الحالة بالهوس. أو بمنتهى الإكتئاب رفقة أفكار مرضية تؤدي به إلى التفكير في إنهاء حياته، مما يتطلب تدخلا للطبيب المختص ومرافقة المريض بالعلاج والدعم من المحيط.
ثانيا: شرح مصطلحات المرض
1- الهوس: هو السعادة المفرطة غير القابلة للسيطرة، والتي ترافقها حالة من الجنون على شكل وساوس وذهان وجنون عظمة.
2- جنون العظمة: هي إيمان المريض أن له قدرات خارقة بعيدة عن الطبيعة البشرية او ضلالات توهمه أنه مراقب أو تحت الإضطهاد.
3- الذهان: هو شم ولمس ورؤية وسماع أشياء غير موجودة.
4- الاكتئاب: هو الشعور بالانطفاء والثقل، وفقدان الإنسان لذاته نتاج هذا الشعور.. لدرجة أنه يصبح شخصا آخر لا يعرف نفسه.. فيفقد لذة الحياة والشغف بها، ويفقد القدرة على العمل والتواصل، ويؤدي ذلك إلى التفكير في إنهاء حياته.
ثالثا: أنواع مرض ثنائي القطب
سنركز على الأنواع الشائعة والتي هي نوعان..
النوع الاول: في النوع الأول من هذا المرض يميل المريض إلى الهوس مع إكتئاب خفيف.
النوع الثاني: يميل المريض إلى الإكتئاب مع هوس خفيف مقارنة بالنوع الأول.
رابعا: العلاج.
في كثير من الحالات يكون المرض موروثا ويتطلب علاجا طويل الأمد لأنه مزمن، والأدوية التي يأخذها المريض تتوقف على حالته والنوع المصاب به، وفقا لتشخيص الطبيب المختص في الأمراض النفسية والعقلية.
من الأدوية المأخوذة بشكل أساسي: مضادات الذهان، مثبتات المزاج، مضادات الإكتئاب، المنومات. إضافة إلى اعتماد علاجات نفسية كالعلاجات السلوكية، فمرض ثنائي القطب يلزم التدخل العلاجي الدوائي والتدخل العلاجي النفسي من قبل المختصين في هذا المجال.
خامسا: التشخيص
- أولا وقبل كل شيء التشخيص يتم بناء على الأعراض التي تلاحظها العائلة والطبيب المختص في المريض، حيث لا يمكن لشخص عادي يعاني من تقلبات مزاجية يعي بها ان يصنف نفسه مريضا بثنائي القطب، فهذا المرض ينزع احساس الوعي والشعور بتواجده، فحتى وإن أخبر الطبيب المريض بنوعية مرضه، يبقى اقتناعه في الغالب صعبا. - يعلن المرض ظهوره بنوبة هوس وفقا للنوع الأول، ونوبة اكتئاب وفقا للنوع الثاني، تمتد فترة النوبة حسب حالة كل مريض من أسبوعين إلى أربعة أو ستة أشهر، لكن حدتها تكون ملاحظة من محيط المريض، مما يستدعي تدخل الطبيب المختص. - الأعراض في النوع الأول تكون عبارة عن هوس نتاج الشعور بجنون العظمة، كالإيمان بقوة خارقة أو النبوة، أو أي فكرة تجعل من المريض يرى نفسه شخصا غير عادي ومميز جدا بشكل متطرف، إضافة إلى الذهان الذي يسبب ما يسمى بهلوسة سمعية أو بصرية أو حسية، عن طريق الشم واللمس ومن الممكن أن تشملهم جميعا..
- أما بالنسبة لأعراض الصنف الثاني فنختصرها في نوبة اكتئاب حادة، تؤدي إلى محاولة تنازل المريض عن حياته، نتيجة الشعور بالدونية وانعدام القيمة لأسباب تختلف باختلاف الحالات.
سادسا: الاستبصار بالمرض وغياب الإدراك
- يعني الاستبصار بالمرض وصول المريض في مرحلة ما إلى القدرة على رؤية نفسه مريضا، وهذا لا يكون في جميع الحالات، حيث يعيش المريض الحالة بإيمان أنه لا يعاني من أي خطب، يحدث ذلك رغم أنه يتابع لدى طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية ويأخذ علاجا، وهذا ما يؤثر بشكل مباشر على طريقة أخذ العلاج، فيتم التوقف عن العلاج بقرار من المريض، مما يوقعه في نوبات بشكل دوري ومتكرر. السبب وراء عدم وجود الوعي والإدراك هو الذهان، فإن كانت الأشياء الذهانية التي يراها المريض بعينيه ويلمسها ويشمها ويسمعها موجودة في عقله، من الصعب جدا أن يؤمن أنها مجرد وهم وسراب... من منا لا يصدق حواسه؟ فالذهان يدعم بشكل مباشر ومتكامل جنون العظمة والهوس.
- أما النوع الثاني فليس بالضرورة أن يغيب إدراكه عن حالته، فهو وبطريقة ما يشعر بانفلات حياته الطبيعية منه ويشعر بوجود خطب ما، وهنا يقع في حالتين، إما أن يتوقف عن العلاج أو يأخذ جرعات مضاعفة منه، بسبب شعوره أنه في دائرة مفرغة من المرض والعلاج غير مفيد، أو شعوره أن الجرعات غير كافية ولا توافق حالته.
- الاستبصار بالمرض يأتي بعد فترة لا بأس بها من العلاج، ويكون في حالة امتلاك المريض قابلية للاستبصار، وحصوله على الثقة والدعم الأسري، طبيب كفؤ يتابع الحالة بانتباه، علاج مناسب، والمرونة العقلية والعاطفية لدى المريض.
- وفي حالة حدوث الاستبصار، يصبح المريض أكثر التزاما بالعلاج من غير جرعات مضاعفة ولا توقيف مفاجئ، فيأتي الاستقرار مرافقا لحالتين:
● الحالة الأولى: الاستقرار واختفاء النوبات مع القدرة على الاندماج في الحياة الطبيعية.
● الحالة الثانية: الاستقرار المرافق لصدمة الوعي بالمرض، وفي هذه الحالة تختفي النوبات، في المقابل يكون من الصعب على المريض الاندماج في الحياة الطبيعية، ولن يكون سهلا عليه تجاوز وتقبل فكرة أنه مريض، خاصة إذا كان استبصاره يأتي بعد سنوات من عدم وجود إدراك ووعي بحالته.
سابعا: كل حالة هي حالة بحد ذاتها
من المهم جدا، أن لا نقارن حالات المرضى بثنائي القطب ببعضها، وأن لا نتعامل مع المريض على أنه يحمل نفس النتائج المتوافقة مع مريض آخر. فهناك متغيرات تشكل الفاصل في طبيعة النتائج وكيفية التعايش رغم وجود المرض كعامل مشترك..
من بين هذه المتغيرات:
أ- المريض: المريض ليس آلة حاسبة تعطي نفس النتائج لعملية حسابية منطقية، بل يعتبر من أعقد الكائنات لكونه إنسانا قبل كل شيء، ولكونه كيان منفصل مستقل في أفكاره ومشاعره عن بقية المرضى والناس بشكل عام، مما يجعل طريقة معالجته لحالته التي تأتي على شكل ردود فعل تختلف تماما عن الآخرين مهما كانت حالتهم وصفتهم، لذلك من المتوقع أن تكون النتائج مختلفة مع كل مريض، دون مراعاة لوجود مرض واحد.
ب- الدين: يلعب الدين دورا محوريا في آثاره على معتقدات المريض، هذا لأن المرض بحد ذاته يعزف على أوتار المعتقدات ليضع لنفسه مكانا... مكانا يضمن من خلاله وجوده الأبدي. للإشارة هناك أديان تؤثر على المرض بطريقة سلبية وجدا، كالبوذية على مرض الإكتئاب. فالمريض البوذي، لا يؤمن بجزاء بعد الموت، بل يؤمن أنه سينتقل إلى حياة أخرى مستقبلية على نفس الكوكب بشكل أو بآخر. مما يؤدي وليس في جميع الحالات إلى سهولة تنازله عن حياته، مؤمنا أن سيعود للحياة مجددا على نفس الكوكب. في حين أن الإسلام مثلا، يشدد على خطيئة التنازل عن الحياة، لذلك يفكر المريض مرتين قبل أن يخطو خطوة للأمام نحوها.
ج- الطبيب المختص والعلاج: للاستقرار علاقة طردية مع كفاءة الطبيب المختص والعلاج الذي يوافق التشخيص الصحيح. فكلما التزم المختص بالكفاءة وفاز بثقة المريض كلما تم التحكم في أعراض المرض بطريقة أفضل واستقرت حالة المريض. وهذا يختلف باختلاف الأطباء المختصين، واختلاف المرضى واختلاف الحالات.. ما يجعل كل حالة هي حالة بحد ذاتها.
د- العائلة: العائلة لها الدور المحوري الاكبر، فإن كانت أكثر تفهما ولها اهتمام بالثقافة حول المرض، أدى ذلك إلى استقرار الحالة.. في المقابل لو كانت عكس ذلك، ستدمر حالة مريضها مهما كان قويا، فللعائلة قدرة رهيبة على الدمار النفسي والعاطفي للمريض الذي سيزيد من حالة انهياره العقلي. واختلاف العائلات يجعل من تطابق الحالات مجموعة خالية.
كل ما كتبته هنا هو مزيج من معلومات طبية وما رأيته انا في المرض بوجداني وروحي.. شاركونا آراءكم في قسم التعليقات.. حول المرض وتجاربكم معه إن أمكن...
تعليقات
إرسال تعليق